فصل: ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ الزَّوَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ الزَّوَالِ:

وَقَدْ ذَكَرْتُ الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الدَّفْنِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الدَّفْنِ فِيهَا، فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ.

.ذِكْرُ حَثْيِ التُّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ:

رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ حَثَى عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُكَفَّفِ ثَلَاثًا، وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَلْحَدُونَ لِمَوْتَاهُمْ وَيَنْصِبُونَ اللَّبِنَ عَلَى اللَّحْدِ نَصْبًا، وَيَحْثُونَ عَلَيْهِمُ التُّرَابَ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ لَمَّا دَفَنَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَثَى عَلَيْهِ التُّرَابَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يُدْفَنُ الْعِلْمُ.
3221- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيْدٍ، أَنَّ عَلِيًّا، حَثَى عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُكَفَّفِ، قَالَ: هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ثَلَاثًا.
3222- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا عَامِرُ بْنُ جَشِيبٍ، وَغَيْرُهُ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ تَمَامِ أَجْرِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَحْثُوَ فِي الْقَبْرِ.
3223- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، لَمَّا دُفِنَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ حَثَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يُدْفَنُ الْعِلْمُ.
3224- حَدَّثَنَا خُشْنَامُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، صَاحِبِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَلَمْ تَصُبْ لَهُ حَسَنَةٌ، إِلَّا ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ حَثَاها فِي قَبْرٍ، فَغُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُحْثَى مِنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ بِيَدَيْهِ مَعًا مِنَ التُّرَابِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ.

.ذِكَرُ الرُّخْصَةِ فِي دَفْنِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْنِ الِاثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ، فَرُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُدْفَنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يُدْفَنَانِ فِي الْقَبْرِ؟ قَالَا: يُقَدَّمُ الرَّجُلُ أَمَامَ الْمَرْأَةِ فِي الْقَبْرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالنُّعْمَانُ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ قَالَا: يُدْفَنَانِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَاتِ، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُرَخِّصُ فِي دَفْنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْقَبْرِ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَيُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا، كَذَلِكَ السُّنَّةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

.ذِكْرُ النَّصْرَانِيَّةِ تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ مِنْ مُسْلِمٍ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ مِنْ مُسْلِمٍ فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ دَفَنَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حُبْلَى مِنْ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ.
3225- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ شَيْخًا، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ دَفَنَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.

.ذِكْرُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ، فَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: لَوْ حَضَرْتُ أَخِي مَا دُفِنَ إِلَّا حَيْثُ مَاتَ، وَكَانَ مَاتَ بِالْحُبْشِيِّ فَدُفِنَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَكَرِهَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ: قَدْ حُمِلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِنَ الْعَقِيقِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَفَنَّاهُ بِهَا، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، مَاتَ ابْنُ عُمَرَ هَاهُنَا، يَعْنِي بِمَكَّةَ، فَأَوْصَى أَنْ لَا يُدْفَنَ بِهَا، وَأَنْ يُدْفَنَ بِسَرِفَ، فَغَلَبَهُمُ الْحَرُّ، وَكَانَ رَجُلًا بَادِيًا.
3227- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ حَضَرْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، تَعْنِي أَخَاهَا، مَا دُفِنَ إِلَّا حَيْثُ مَاتَ. وَكَانَ مَاتَ بِالْحُبْشِيِّ فَدُفِنَ أَعْلَى مَكَّةَ، وَالْحُبْشِيَّ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ.
3228- وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أُمَّهُ صَفِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: عَزَّيْتُ عَائِشَةَ فِي أَخِيهَا، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَخِي، إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَجِدُ فِيهِ مِنْ شَأْنِ أَخِي لَمْ يُدْفَنْ حَيْثُ مَاتَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ الْمَيِّتُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، عَلَى هَذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عَوَامُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَامَّةُ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ، وَيُكْرَهُ حَمْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ يُخَافُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا.

.ذِكْرُ مَا يُصْنَعُ بِالَّذِي يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ:

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُفْعَلُ بِالَّذِي يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ، فَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ جُعِلَ فِي زِنَبِيلٍ ثُمَّ قُذِفَ بِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: يَغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُحَنَّطُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُرْبَطُ فِي رِجْلَيْهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ قَدَرُوا عَلَى دَفْنِهِ، وَإِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يَجْعَلُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ، وَيَرْبِطُوا بِهِمَا لِيَحْمِلَاهُ إِلَى أَنْ يَنْبِذَهُ الْبَحْرُ بِالسَّاحِلِ، فَلَعَلَّ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجِدُوهُ فَيُوَارُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَأَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْ كَانَ الْبَحْرُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمَيِّتُ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَ أَمْوَاجَهُ إِلَى سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ يُفْعَلُ بِهِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فُعِلَ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

.كتاب الْجِزْيَة:

أخبرنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن زُرَيْق الْبَلَدِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر.

.ذكر أَخذ الْجِزْيَة من ثمن الْخمر والخنازير:

6400- حَدثنَا عَليّ بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا عبد اللّه بن الْوَلِيد عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الْأَعْلَى عَن سُوَيْد بن غَفلَة أَن عمر ذكر لَهُ أَن عمالاً يَأْخُذُونَ الْخمر، والخنازير فِي الْجِزْيَة، قَالَ: فشدهم عمر.
فَقَالَ بِلَال: إِنَّهُم ليفعلون، فَقَالَ: لَا تَكُونُوا أَمْثَال الْيَهُود، حرمت عَلَيْهِم الشحوم فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا أثمانها، ولّوهم بيعهَا.
وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي هَذَا الْبَاب فَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي: لَا يجوز أَن يَأْخُذ مِنْهُم أحد أَثمَان الْخمر والخنازير، وَهَذَا قِيَاس قَول أبي ثَوْر، وَكَانَ مَالك يَقُول: وَإِنَّمَا يعْطى أهل الْكتاب الْجِزْيَة من ثمن الْخمر والخنازير، وَذَلِكَ حَلَال للْمُسلمين إِن يأخذوه من أهل الْكتاب فِي الْجِزْيَة، وَلَا يحل لَهُم أَن يَأْخُذُوا فِي جزيتهم الْخمر بِعَينهَا وَلَا الْخِنْزِير حَيا.
وَاخْتلفُوا فِي الْخمر والخنازير يمر بهَا على الْعَاشِر، فَمِمَّنْ رأى أَن يعشر الْخمر مَسْرُوق، وَالنَّخَعِيّ، والنعمان، وَقَالَ ابْن الْحسن: أما الْخَنَازِير فَلَا يعشرها، وَأما الْخمر فَيَأْخُذ نصف عشر قيمتهَا.
وَقَالَ الْحسن بن صَاع: يقوم عَلَيْهِم الْعَاشِر الْخمر والخنازير إِذا اتَّجرُوا فِيهَا، وَيَأْخُذ عشرهَا من الْقيمَة.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد روينَا عَن شُرَيْح أَنه ضمن مُسلما خمرًا أهراقها لذمى، وروينا عَن الْحسن أَنه قَالَ فِي الْخمر: الْعشْر، وَقد روينَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: الْخمر لَا يعشرها مُسلم، وَهَذَا على مَذْهَب أبي ثَوْر، وَأبي عبيد.
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل لَا يُوجب على من أهراق لذِمِّيّ خمرًا. أَو قتل لَهُ خنزيراً شَيْئا، وَهَذَا على مَذْهَب الشَّافِعِي.
قَالَ أَبُو بكر: وَقِيَاس قَول من كره تعشير الْخمر والخنازير أَن يكره أَخذهَا فِي الْجِزْيَة، وَيُشبه أَن يكون قِيَاس قَول من رأى للعشارين أَن يعشرُوا الْخمر عَلَيْهِم وَيَأْخُذ عشرهَا الْخمر فِي الْجِزْيَة، وَلَا معنى لتفريق من فرق بَين الْخمر والخنازير فَقَالَ: يعشر الْخمر وَلَا يعشر الْخَنَازِير، لِأَن الْخمر قد كَانَ فِي الأَصْل قبل أَن يكون خمرًا حَلَالا، لِأَنَّهُ كَانَ عنباً وعصيراً، ثمَّ لَعَلَّه أَن يعود خلا، وَالْخِنْزِير لم يكن حَلَالا قطّ، وَهَذِه غَفلَة من قَائِلهَا، وَذَلِكَ أَن الْخمر فِي الْحَال الَّتِي هِيَ مُحرمَة ضد الْحَلَال، فالحال الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا أولى بهَا من حَالَة كَانَت.
وَيلْزم قَائِل هَذَا القَوْل، والمعتل بِهَذِهِ الْعلَّة، أَن يُجِيز بيعهَا وشرائها، فَإِذا أَبى ذَلِك فِي البيع وَنظر إِلَى إطالة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا، وَامْتنع من بيعهَا لِأَنَّهَا مُحرمَة فِي وَقت البيع وَالشِّرَاء، وَجب أَن يمْتَنع أَن يعشر الْخمر من حَيْثُ امْتنع من بيعهَا وشرائها.

.ذكر التَّغْلِيظ على من عنف بِأَهْل الذِّمَّة فِي مطالبتهم بالجزية:

6401- أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة أَن هِشَام بن حَكِيم وجد رجلا وَهُوَ على حمص، يشمش نَاسا من القبط فِي أَدَاء الْجِزْيَة فَقَالَ: مَا هَذَا إِنِّي سَمِعت رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «إِن الله يعذب الَّذين يُعَذبُونَ النَّاس فِي الدُّنْيَا».

.ذكر اسْتِحْبَاب الرِّفْق فِي الْأُمُور كلهَا:

6402- حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن الْأَعْمَش عَن تَمِيم بن سَلمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هِلَال عَن جرير بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يحرم الرِّفْق يُحرم الْخَيْر».
6403- حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الزبير قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان قَالَ: حَدثنَا عَمْرو هَكَذَا، عَن ابْن أبي مليكَة عَن يعلى بن مملك عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «من أعْطى حَظه من الرِّفْق فقد أعْطى حَظه من الْخَيْر، وَمن حرم حَظه من الرِّفْق ففد حرم حَظه من الْخَيْر».

.ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي الْجِزْيَة كَيفَ تجبى:

قَالَ الله عز وَجل: {حتّى يُعطُوا الجِزِيَةَ عَنْ يَد وهُمْ صاغِرُون} الْآيَة.
6404- حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون قَالَ: حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد قَالَ: حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن أبي بكر عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يَمْشُونَ بهَا ملبين. وَقد اخْتلف فِي قَوْله: {عَن يَدٍ وهُمْ صَاغِرُون} فَقَالَ بَعضهم: يَمْشُونَ بهَا، وَقَالَ بَعضهم: نَقْدا، يَقُول عَن ظهر يَد لَيْسَ بنسيئة، وَقَالَ أَبُو عبيد: كل من انطاع لمن قهره وَأَعْطَاهُ عَن غير طيب نفس فقد أعطَاهُ عَن يَد.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: سَمِعت عددا من أهل الْعلم يَقُولُونَ: الصغار أَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام، قَالَ الشَّافِعِي: وَمَا أشبه مَا قَالُوا بِمَا قَالُوا، قَالَ الشَّافِعِي: فَإِذا أحَاط الإِمَام بِالدَّار، فعرضوا عَلَيْهِ أَن يُعْطوا الْجِزْيَة على أَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام، لزمَه أَن يقبلهَا مِنْهُم، وَلَو سَأَلُوهُ أَن يعطوها على أَن لَا يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام، لم يكن ذَلِك لَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يقاتلهم حَتَّى يسلمُوا، أَو يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون، بِأَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: يَنْبَغِي للوالي أَن يولي الْخراج رجلا يرفق بهم ويعدل عَلَيْهِم فِي خراجهم، وَلَا يعذبهم، فَإِن كسروا من خراجهم شَيْئا لم يبع عَلَيْهِم عرضا، وَلم يهنهم فِيهِ، وَلم يعذبهم، وَله أَن يحول بَينهم وَبَين غلاتهم حَتَّى يَسْتَوْفِي الْخراج، فَإِن صَار على أحد مِنْهُم مائَة بَعْدَمَا مَضَت السّنة فَلَا يُؤْخَذ بِالْمِائَةِ فِي قَول النُّعْمَان، وَيُؤْخَذ بِهِ فِي قَول يَعْقُوب.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: وَيُؤْخَذ مِنْهُم فِي كل سنة فِي وَقت من الْأَوْقَات، وَيكْتب لَهُم بَرَاءَة إِلَى مثله من الْحول، ويرفق بهم فِي الإستبداء، وَلَا يضْربُونَ وَلَا يحبسون إِلَّا أَن يكون رجل مِنْهُم عِنْده مَال فَلَا يُؤدى، فَيكون للْإِمَام عُقُوبَته بِحَبْس، أدب، وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا نقد الْبَلَد الَّذِي هم فِيهِ، وَلَا يكلفون نقد بَيت مَال إِن كَانَ أَجود من نقد الْبَلَد.

.ذِكْرُ مَا يُؤْخَذ بِهِ أهل الذِّمَّة من تَغْيِير الزي خلاف زِيّ الْمُسلمين:

6405- أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي الْقَاسِم بن عبد الله قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عَمْرو أَن عمر كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد يَأْمُرهُم أَن يختموا فِي رِقَاب أهل الْجِزْيَة بالرصاص، ويصلحوا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضا، وَلَا يضْربُوا الْجِزْيَة إِلَّا على من جرت عَلَيْهِ الموسى، وَلَا يَدعُوهُم يتشبهوا بِالْمُسْلِمين فِي ركوبهم.
قَالَ أَبُو عبيد فِي قَوْله: مناطقهم: يَعْنِي الزنانير.
6406- حَدثنَا على عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا النَّضر بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن خَليفَة بن قيس قَالَ: قَالَ عمر: يَا يرفأ: أكتب إِلَى أهل الْأَمْصَار فِي أهل الْكتاب: أَن تجز نواصيهم، وَأَن يربطوا الكستيجان فِي أوساطهم، ليعرف زيهم من زِيّ أهل الْإِسْلَام. وَقد روينَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه أَمر فِي أهل الذِّمَّة أَن يحملوا على الأكف، وَأَن تجز نواصيهم، وَسُئِلَ مَالك هَل لِلنَّصَارَى أَن يحدثوا فِي أَرض الْإِسْلَام الْكَنَائِس؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَن يكون لَهُم أَمر أَعْطوهُ على ذَلِك.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يحدد بَينه وَبَين أهل الذِّمَّة جَمِيع مَا يعطيهم، وَيَأْخُذ مِنْهُم، وَيرى أَنه ينوبه وينوب النَّاس مِنْهُم فيسمى الْجِزْيَة، وَأَن، يؤدوها على مَا وصفت، وَيُسمى شهرا تُؤْخَذ فِيهِ الْجِزْيَة، وعَلى أَن يجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام إِذا طَلَبهمْ بِهِ طَالب، أَو أظهرُوا ظلما لأحد، وعَلى أَن لَا يذكرُوا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَا هُوَ أَهله، وَلَا يطعنوا فِي دين الْإِسْلَام، وَلَا يعيبوا من حكمه شَيْئا، فَإِن فعلوا فَلَا ذمَّة لَهُم، وَيَأْخُذ عَلَيْهِم أَلا يسمعوا السلمين شركهم، وَقَوْلهمْ فِي عُزَيْر، وعيسي، فَإِن وجدوهم فعلوا بعد التَّقَدُّم فِي عُزَيْر، وعيسي إِلَيْهِم، عاقبهم على ذَلِك عُقُوبَة وَلَا يبلغ حدا، لأَنهم قد أذن بإقرارهم على دينهم، وَأَن لَا يكرهوا أحدا على دينهم إِذا لم يروه من أبنائهم، وَلَا رقيقهم وَلَا غَيرهم، وعَلى أَن لَا يحدثوا فِي مصر من أَمْصَار الْمُسلمين كَنِيسَة، وَلَا مجتمعاً لصلاتهم، وَلَا ضرب ناقوس، ولَا حمل خمرٍ، وَلَا إِدْخَال خِنْزِير، وَلَا يعذبوا بَهِيمَة، وَلَا يقتلوها ضربا لذبح، وَلَا يحدثُونَ مَا يطيلون بِهِ بِنَاء الْمُسلمين، وَأَن يفرقُوا بَين هيئاتهم فِي الملبس والمركب، وَبَين هيئاتِ الْمُسلمين، وَأَن يعقدوا الزنَانِير فِي أوساطهم، فَإِنَّهَا من أبين فرق بَينهم وَبَين هيئات الْمُسلمين، وَأَن لَا يدخلُوا مَسْجِدا، وَلَا يبايعوا مُسلما بيعا يحرم فِي الأسلام، وَلَا يزوجوا مُسلما مَحْجُورا، إِلَّا بِإِذن وليه، وَلَا يمنعوا من أَن يزوجوه حرَّة إِذا كَانَ حرا مَالِكًا لنَفسِهِ أَو مَحْجُورا بِإِذن وليه بِشُهُود مُسلمين، وَلَا يسقوا مُسلما خمرًا، وَلَا يطعموه محرما من لحم الْخِنْزِير وَلَا غَيره، وَلَا يظهروا الصَّلِيب فِي الْجَمَاعَات فِي أَمْصَار الْمُسلمين، وَإِن كَانُوا فِي قَرْيَة يملكونها منفردين لم يمنعهُم إِحْدَاث كَنِيسَة وَلَا رفع بِنَاء، وَلَا يعرض لَهُم فِي خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وإجماعهم، وَأخذ عَلَيْهِم أَن لَا يسقوا مُسلما أَتَاهُم خمرًا، وَلَا يبايعوه محرما، وَلَا يطعموه إِيَّاه، وَلَا يغشوا مُسلما وَإِن كَانَ بِمصْر الْمُسلمين لَهُم كَنِيسَة، أوبناء طائل كبناء الْمُسلمين، لم يكن للْإِمَام هدمها وَلَا هدم بنائهم، وَترك كلا على مَا وجد عَلَيْهِ، وَمنع من إِحْدَاث الْكَنِيسَة، وَهَذَا إذاكان الِمصر للْمُسلمين أحيوه، أَو فتحوه عنْوَة، وَشرط على أهل الذِّمَّة هَذَا، فَإِن كَانُوا فتحوه على صلحٍ بَينهم وَبَين أهل الذِّمَّة، من ترك إِظْهَار الْخمر والخنازير، وإحداث الْكَنَائِس فِيمَا ملكوا، لم يكن لَهُ مَنعهم من ذَلِك، وَإِظْهَار الشّرك أكبر مِنْهُ، وَلَا يجوز للْإِمَام أَن يُصَالح أحدا من أهل الذِّمَّة على أَن ينزلُوا من بِلَاد الْإِسْلَام منزلا يظْهر فِيهِ جمَاعَة وَلَا كَنِيسَة وَلَا ناقوساً، إِنَّمَا يصالحهم على ذَلِك فِي بِلَادهمْ الَّتِي وجدوا فِيهَا ففتحوها عنْوَة أَو صلحا، فَأَما بِلَاد لم تكن لَهُم، فَلَا يجوز هَذَا لَهُ فِيهَا، فَإِن فعل ذَلِك أحد فِي بلد يملكهُ مَنعه مِنْهُ، وَإِن أظهرُوا ناقوساً، أَو اجْتمعت لَهُم جمَاعَة، أَو تهيئوا بهيئة نَهَاهُم عَنْهَا، يقدم فِي ذَلِك إِلَيْهِم، فَإِن عَادوا عاقبهم، وَإِن فعل هَذَا مِنْهُم فَاعل، أَو بَاعَ مُسلما بيعا حَرَامًا فَقَالَ: مَا علمت، تقدم إِلَيْهِ الْوَالِي وأحلفه وأقاله فِي ذَلِك، فَإِن عَاد عاقبه.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: يَنْبَغِي للْإِمَام أَن لَا يتْرك أحدا من أهل الذِّمَّة يتشبه فِي لِبَاسه وَلَا مركبه، وَلَا فِي هَيئته بالسلمين، وَيَنْبَغِي أَن يؤخذوا حَتَّى يَجْعَل كل إنسانٍ مِنْهُم فِي وَسطه كشتنجا مثل الْخَيط الغليظ، ويعقده على وَسطه، وَأَن يؤخذوا بِأَن يلبسوا قلانس مضربة، وَأَن يركبُوا السُّرُوج وعَلى قربوس السرج مثل الرمانة، وَأَن يجْعَلُوا شرك نعَالهمْ مُثَلّثَة، وَلَا يتخذوها على حذاء الْمُسلمين، وَلَا يلبسوا طيالسة مثل طيالسة الْمُسلمين، وَلَا أردية مثل أردية الْمُسلمين.
وَقيل لِأَحْمَد بن حَنْبَل: لِلنَّصَارَى أَن يظهروا الصَّلِيب أَو يضْربُوا بالنواقيس؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُم أَن يظهروا شَيْئا لَيْسَ فِي صلحهم. قَالَ إِسْحَاق: لَيْسَ لَهُم أَن يظهروا الصَّلِيب أصلا، لما نهى عمر بن الْخطاب عَن ذَلِك، وَيَقُولُونَ: إِن إظهارنا الصَّلِيب إِنَّمَا هُوَ دُعَاء ندعوكم إِلَى ديننَا، فيمنعون أَشد الْمَنْع.